كانت الصورة الجنائية لدونالد ترامب في نهاية الشهر الماضي، والتي تم ترقبها بشغف، تقليدية تماماً في بعض النواحي. فهي لقطة للوجه والكتفين مع إضاءة غير جذابة وشعار إنفاذ القانون في الزاوية. لكن الصورة فريدة من نوعها، في جميع النواحي الأخرى تقريباً، فهي صورة للعصور تمثل علامة إلى الأبد لهذه اللحظة في تاريخ الرئاسة. إلا أن ذلك لم يكن مساهمتها الوحيدة للأجيال القادمة.

وبطرق لم تتم ملاحظتها على نطاق واسع، فهي أيضاً مدخل جديد مهم في تاريخ الصور الرئاسية التي تكمن أهميتها في الكيفية التي تدعونا بها إلى التفكير ليس فقط في قادتنا، بل أيضاً في الأمة نفسها. سياسياً ورمزياً، أي رئيس يمثل الأمة. ومن ثم، وإلى حد ما، فصورته هي صورة أمته.

وفي الأجواء وفي ظروف التقاطها، تبدو صورة ترامب في البداية وكأنها انفصال صارخ عن التقاليد الأكثر مهابةً للصور الرئاسية. لكن في تأثيرها، وفي الطريقة التي بدأ بها صاحبها في نشرها، تمثل الصورةُ التطورَ الطبيعي لجميع الصور التي سبقتها. ومنذ الأيام الأولى للجمهورية، أثبتت صور قادتنا أنها أدوات سياسية مهمة ومتعددة الاستخدامات.

ولم يعجز عن ملاحظة قوة الصور إلا قلةٌ من الرؤساء. وكان من المعروف أن جورج واشنطن يعرض صورَه بفخر لزوار ماونت فيرنون، في حين فاجأ باراك أوباما الكثيرين باختيار الرسام كيهيند وايلي في محاولة واضحة لتقديم نفسه، بصرياً وسياسياً، على أنه شيء جديد. والخط المعياري هو أن الصور الرئاسية الناجحة تجعل الأشخاص فيها يبدون أقوياء، ونشطاء، وقبل كل شيء، رئاسيين. لكن عندما ننظر أعمق، نجد أن التاريخ أكثر تعقيداً. ولطالما رفض الرؤساء أو في بعض الحالات، قاوموا علناً طرقَ تصويرهم، وسعَوا للسيطرة.

وبهذا المعيار، فموقف ترامب ليس غريباً. ليست كل الصور الرئاسية تبدو مثل تلك المعلقة في متاحفنا. فخذ على سبيل المثال جون كوينسي آدامز، الذي كان واحداً من أكثر الأشخاص الذين تم تصويرهم على نطاق واسع في عصره. فمنذ طفولته كابن لرئيس وطوال حياته المهنية الطويلة في الحياة العامة، كان موضوعاً لعشرات اللوحات المرسومة والمنحوتات والصور الفوتوغرافية. ونتيجة لذلك، كان لدى آدامز أفكار واضحة حول كيفية تصوير الرجال في مكانته للأجيال القادمة. حتى إنه قدّم قائمةً قصيرةً في مذكراته للصور التي شعر أنها الأفضل. وقال إن هذه القلة من الصور وحدها هي التي «تستحق الحفاظ عليها».

وبعد إدخال التصوير الفوتوغرافي إلى الولايات المتحدة في عام 1839، جلس آدامز مرات عدة لالتقاط صور داجيروتايب. وفي الواقع، فأقدم صورة موجودة لرئيس هي الصورة التي التقطها آدامز في عام 1843، وهي الآن ضمن مجموعة معرض الصور الوطني التابع لمؤسسة سميثسونيان. لكن آدمز لم يتحمس قط للتصوير الفوتوغرافي. وأقر في مذكراته أن صوره الشخصية كانت «بشعة» و«مثيرة للاشمئزاز». وفي نهاية المطاف، وجد أن التكنولوجيا الناشئة غير مستقرة جداً بحيث لا يمكنها خلق نوع الصورة الجديرة بـ«الانتقال إلى ذاكرة العصر التالي».

وإن بدا آدامز قلِقاً بشأن الصور التي التقطها، فقد شعر الرؤساء اللاحقون بالقلق من الصور التي لم يوافقوا عليها. وابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر، أتاح ظهور الكاميرات المحمولة للمصورين التقاط الصور على نحو أسرع. وانتقد ثيودور روزفلت ما وصفته إحدى الصحف حينذاك بـ«شيطان الكاميرا» الشاب لمحاولته «التقاط» صورة له أثناء مغادرته الكنيسة.

وبعد عقد من الزمن أو نحو ذلك، هدد وودرو ويلسون بضرب صحفي رفض التوقف عن التصوير أثناء عودته هو وابنته من رحلة بالدراجة كان متعرقاً فيها بشدة. ومن المعروف أن البيت الأبيض سعى إلى إبقاء الدليل على الإعاقة الجسدية لفرانكلين روزفلت بعيداً عن الأنظار، لكن المستشارين كانوا قلقين أيضاً من أن مجرد اللقطة العادية قد تجعله يبدو بمظهر سيء. وفي عام 1937، ذكرت مجلة «بييولار فوتوغرافي» أن المكتب الصحفي للبيت الأبيض كان غاضباً بشأن اللقطات غير المصرَّح بها لروزفلت وهو يقضم نقانق في نزهة سياسية. كما اعترض على الصور الباهتة للرئيس وهو يستمتع بيوم الافتتاح في مباراة بيسبول.

وكانت تلك الصور التي التقطت من مسافة بعيدة رديئة لدرجة أنها دفعت فما يبدو إلى إرسال رسائل إلى البيت الأبيض تسأل عن الحالة الصحية للرئيس. وفي عصر الكاميرا التي تُظهِر التفاصيلَ بدقة، كان من الصعب السيطرة على الأمور. وظهور التصوير الرقمي لم يغير صورةَ الرئيس بقدر ما زاد صعوبةَ السيطرة عليها. وبصفته أول رئيس لوسائل التواصل الاجتماعي، سار باراك أوباما على الخط الفاصل بين السيطرة والتفاعل. وأخيراً، بدا أن الرئيس يستطيع التواصل مباشرةً مع المواطنين دون الاضطرار إلى المرور عبر المرشحات التقليدية لوسائل الإعلام الرئيسية.

وقام مصورو البيت الأبيض، بقيادة بيت سوزا، ببناء أرشيف مرئي ضخم من الصور الرئاسية التي تمت مشاركتها آنياً على موقع فليكر. لكن تلك الاتصالات الخاضعة للرقابة تعارضت مع ثقافة جديدة من إعادة النشر والتفاعل. وبمجرد نشر تلك الصور الرسمية، تبعتها التعليقات التي لا مفر منها. بعضها كان جديراً بالإطراء، وبعضها الآخر ليس كذلك. وفي كل لحظة من هذه اللحظات، أثارت التحولات في تكنولوجيا التصوير الفوتوغرافي مخاوفَ بشأن التمثيل الرئاسي.

وإذ أصبحت صورة كاميرا داجيروتايب العتيقة غريبة، أو باتت لقطاته ضبابية، رغم أنها ترمز إلى الرئيس، فماذا يقول ذلك عن الأمة؟ وعلى الرغم من أنها قد تكون غير مرحب بها من الرئيس شخصياً، فإن هذه الصور هي صور رئاسية أيضاً، وهي تحكي تاريخاً بصرياً لا يقل أهميةً عن أي بورتريه زيتي. وكل هذا يعيدنا إلى صورة ترامب.

لقد نشرها على منصة إكس (تويتر سابقاً)، معلناً «عدم الاستسلام أبداً»، على الرغم من أنه استسلم للتو حرفياً. لقد كانت خطوة فعالة، مثل عبوسه التام، استهدفت تعديل الحكاية. وبالفعل، أصبحت هذه الصورة أكثر تميزاً من صور رسمية معلقة في معرض الصور الوطني. وربما يحذو ترامب حذو جورج واشنطن في عرضها بفخر للزوار. ومهما كانت الحالة، فالصورة الجنائية مثل صورة كاميرا داجيروتايب غير المستقرة والصور الضبابية والميم الخاص بكل صورة، تستحق بالتأكيد أن «تُنقل إلى ذاكرة العصر التالي».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

*أستاذة الإعلام في جامعة إيلينوي أوربانا شامبين.